الأربعاء، 8 أكتوبر 2014

قراءة في كتاب : وهم الإله لريتشارد دوكينز (محمد الهنائي )

قررت قراءة الكتاب بعدما لاحظت انتشار اسم ريتشارد دوكينز كعالم وفيلسوف ملحد معاصر بنى وجهته في الإلحاد بناء على تجربته العلمية والفكرية ، الدافع من قراءة الكتاب كان لرغبتي في أن يستثيرني دوكينز بكتابه لمزيد من البحث عن إجابات أو ردود لأي أسئلة او عجز أقف فيه أمام ما يطرح . لكن تجربتي مع الكتاب لم تكن بمستوى الطموح ، فالكتاب مزيج من الانطباعات والقناعات مع شيء من الجدل العلمي الغير محكم الطرح . لكن مع ذلك يظل أن الكتاب فتح بعض الآفاق للبحث . 

الكتاب في عشرة فصول ، الفصل الأول : عنونه بــ" غير مؤمن بعمق " ، تحدث في جزءه الأول عن وجود ثلاثة أنواع من الإله ، الأول : الإله الذي يعتقد به المؤمن بوجود خالق ذكي خلق الكون ويشرف عليه ، ينظر لأعمال الناس ويحاسبهم عليها . وهناك أيضا الربوبيون الذين يؤمنون بوجود خالق ذكي ولكن نشاطاته كانت محدودة بصناعة وضبط قوانيين الكون ، ولا يتدخل بعدها في أي شيء . وهناك ايضا " الطبيعيون " الذين لا يؤمنون بوجود إله غيبي والإله بالنسبة لهم هي الطبيعة والكون والقوانيين التي تعمل بها " 

تحدث في هذا الجزء أيضا عن بعض كبار العلماء ــ منهم اينشتاين ــ على أنهم لا يؤمنون بوجود الإله على عكس ما أشيع عنهم ، في هذا الجزء كرس جهده ووقته لأجل أن يثبت خطأ من يقول بأن هؤلاء العلماء يؤمنون بوجود إله ، وأراد دوكنز بهذا الجزء ــ كما قال ــ : " حتى لا يعتقد المؤمنون بأن لهم قوة في إيمان مثل هؤلاء العلماء" . . في هذا الجزء رأيت تناقض لــ دوكينز وهو يحاول جعل بعض العلماء على أنهم لا يؤمنون بإله ، فمثلا : في حديثه عن اينشتاين ، بعدما أشار ووضح أن اينشتاين لا يؤمن بوجود الإله الذي يؤمن به الناس ، قال في نهاية الجزء (( دعني ألخص دين اينشتاين ببعض ما قاله هو نفسه " الاحساس بأن خلف ما نعرفه ونحس به يوجد شيء ما لا نستطيع إدراكه وهذا الشيء يمسنا بجماله وسموه بطريقة غير مباشرة وبشكل يكاد يكون غير محسوس ، هذا شعور ديني ، وأنا بهذا المعنى متدين )) ، يقول بعدها دوكينز تعليقا على ما قاله اينشتاين " حسنا .. بهذا المعنى فأنا متدين أيضا مع التحفظ على عبارة "لايمكننا إداراكه " لكني لا أفضل نعت نفسي بالمتدين بأي شكل من الأشكال لأن ذلك سيؤدي لسوء فهم !! "

بقية الفصل الأول ، عبارة عن تفريغ لما يتصوره دوكنز عن الدين ، تحدث عن حروب الكاثوليك والبروتستانت ، تحدث عن الحروب المذهبية بين الشيعة والسنة ، تحدث عن حوادث التطهير العرقي والمذهبي التي تمت في العالم ، تحدث عن أحداث 11 سبتمبر ودوافعها الدينية ، تحدث عن نظرة الأديان الدينية للمرأة ، تحدث عن كون الدين أداة لتحقيق المكاسب الإجتماعية والسياسية ، وذكر في سبيل ذلك مواقف وأحداث حدثت عن بعض الرموز الدينية والاجتماعية  . ما أعترض عليه فيما سرده دوكنز من أحداث تحت حجة أن الدين هو كما ذكره دوكينز من احداث ، أن دوكينز لم يفرق بين الدين وبين الممارسة والإستخدام . الممارسات لا تعني دائما الدين ، حتى ولو كانت بأسمه أو تحت ظله وهو ما كان يجب على دوكنز أن يعرفه .

الفصل الثاني المعنون بــ(فرضية الإله ) ، 

الفصل الثاني باختصار ، تكلم فيه عن الإلة بمختلف تصوراته عند كل الأطياف على أنه هو الإلة الذي يخاطبه في كتابه ، بمعنى أن إله اليهودية والبوذية والمسيحية والإسلام ، والآلهة اليونانية ، هو الإله الذي يحاول دوكنز عده في منزلة الوهم . واشتغل في سبيل ذلك بذكر توصيفات الإلة عند هذه الديانات ، تلك التوصيفات جاءت كلها مقتضبة وبعضها عمومية وبعضها كما هي ( كآلهة الإغريق والبوذية )  . عدد كبير من الآلهه التي ذكرها ، نحن نكفر بها وبوجودها وبصفاتها كآلهة الاغريقي وآلهة الهندوس وآلهه أخرى كثر . وسبيل دوكينز في محاولة إقناع القارئ وهم وتناقضات شخص الإله ( الذي لم يحدده من بين كل ما ذكره ) وانما اقتضبه ورسم صورته من مختلف الاثنيات والإعتقادات لا يجعل من الإله في منزلة الوهم .

أما عن الفصل الثالث فقد عنونه بــ( الدليل على وجود الله )
:هذا الفصل هو ما كنت ابحث عنه ، ففيه توقعت أن يذكر دوكينز آراء الفلاسفة وحججهم والرد على حججهم بما يعتقده مبطلا لها . ابتدأ بحجج الفيلسوف توماس الأكويني ، وهي الحجج الخمسة المشهورة عنه ( السبب المسبب ، المحرك الأول، العلة الكونية ، دليل التدرج ، الحجة الغائية أو حجة التصميم ) .


حجة السببية ( السبب المسبب ) ، يقول فيها الأكويني باختصار أن لا شي يسبب نفسه بنفسه ، لكل فعل فعل مسبق ، فإذا بحثنا عن كل الموجودات بناء على هذه الحجة وجدنا أن الموجودات بحاجة لسبب أول أوجدها كلها ، وهذا الفاعل الأول وجب أن يكون متفردا ومتميزا ، وهو ما يجب أن يكون الله . 

الحجة الثانية : حجة المحرك الأول ، فيها يقول الأكويني أن لا شيء يتحرك إلا بوجود من يحركه ، هذا يؤدي بالضرورة لوجود أحد ما بدأ الحركة الاولى ، وهو ما يفضي إلى أن يوجد شيء ما سابق عن الحركة الاولى ، وهو " الله " . 

عن حجة التدرج : فيها يقول الاكويني أنه من الملاحظ اختلاف الأشياء حولنا ، هناك درجات متفاوته للأشياء مثل الطيبة والكمال ، ونحن لا نقدر درجتها إلا بمقارنتها بالحد الأعلى الممكن لها . وأعلى حد ممكن لها لا يمكن أن يكون فينا ، لذلك لا بد من وجود ما هو أعلى منا ، وهو الله المطلق. 

حجة الحجة الغائية باختصار يقول فيها الأكويني أن الأشياء في العالم تمشي وفق نظام وتصميم ذكي ، ولا يمكن لهذا الاتساع والدقة إلا أن يكون لها مصمم أعظم من التصميم نفسه ، وهذا المصمم هو الإله . 

هذه الحجج قال بها الفيلسوف الأكويني وفلاسفة آخرين ( ولو بصيغ مختلفة ) ، ريتشارد دوكنز ذكر حجج توماس الأكويني ثم علق عليها كالآتي :

حجة السببية ، وحجة المحرك الأول ، وحجة العلة الكونية : علق عليها بتعليق مقتضب مفاده " أن التراجع الزمني اللانهائي عبثي ومضلل ، وأن إدخال الإله لحل موضوع التراجع اللآنهائي هو أمر مضلل وعبثي " ، هو يقول بأن أغلب أشكال التراجع تصل لمرحلة من النهاية الطبيعية ، أي أن كل شيء ينتهي في حدود الطبيعة ، وذكر مثال أن الذهب حينما يتم تقطيعه لأجزاء صغيرة ، يستمر هذا التقطيع إلى حد نهائي ( الحد الأصغر من الذهب والتي يكون فيها عبارة عن ذرة مكونة من  79 بروتون ، وأكثر بقليل من النيوترونات وبحضور حشد من الإلكترونات " ، عندما تجزء الذرة لأبعد من هذا ، لا يعود الذهب ذهبا وانما يتحول لشيء آخر . 

رد دوكينز هذا وشكل التراجع في مثال الذهب يختلف عن شكل التراجع الذي وضعه الاكويني في حججه . التراجع في مثال الذهب لا يجيب عن سؤال ( ما سبب ) ، بل يجيب عن سؤال الماهية ( ماذا يكون ) . الأكويني يقول ويسأل عن الذي تسبب في وجود الذهب وليس ما هو الذهب . فمثال الذهب خارج عن إطاره هنا في هذه الحجة .  دوكينز وآخرون قالوا بأن كل ما هو موجود في الكون سبب وجوده الانفجار العظيم الذي نشأ عن الجسيم اللامتناهي الطاقة . سؤال الاكويني لازال مستمرا ( من الذي تسبب في وجود الجسيم اللامتناهي الطاقة ، ومن سبب له حركته الأولى ) . . رد دوكينز على الحجج الثلاث للإكويني غير مقنع .

بالنسبة لرد دوكيز على الحجة الرابعة التي قال بها الاكويني ( حجة التدرج ) ، لم يكن هناك رد بقدر ما كان هنا سخرية وتبجح من دوكينز . دوكينز رد على هذه الحجة بأن قال (( ما هذا الدليل ؟ من الممكن أن نقول أن الناس مختلفين في روائحهم وإمكانياتهم بالمقارنة فقط بمرجعية للحد الأعلى الممكن للروائح النتنة ، ولذلك يجب أن يوجد شيء رائحته لا تضاهى بالنتانة وندعوه الله ، وباستطاعتك استبدال مواصفات المقارنة بما تشاء )) 

سخريته هذه لا تجيب عن سؤال حجة التدرج ولا تنقص من قيمتها ، المطلوب من دوكينز كاعتراض على الحجة أن يبطل حاجة الدرجات المختلفة من الصفات إلى حد أعلى مطلق . الأمر الثاني : حتى سخريته تبطل إذا ما استخدمنا " المنطقية الثنائية " التي تقول بأنه لا يوجد طيب وخبيث ( يوجد طيب فقط )، لا يوجد خير وشر ( يوجد خير فقط ) ، لا يوجد نور وظلام ( يوجد النور فقط ) . الشر حالة من حالات انعدام الخير فقط وهو ليس وجودا مستقلا بذاته . والنور مثلا ، لا نقول بأن الظلام عكس النور أو قوى معاكسة للنور ، الظلام فقط حالة لغياب النور ، يوجد فقط نور ساطع ونور أقل من السطوع وتوجد الدرجة الأقل من النور وهي ( الظلام ) . فحتى سخرية دوكينز تكون هنا باطلة ، إذ لا يتطلب وجود حد أعلى للنتانة او الخبث او الشر . 

بالنسبة للحجة الغائية التي قال بها الاكويني وهي الحجة الخامسة ، سأرجئ عرض رده والنقاش حولها لمقال قادم ، كونها طويلة ويدخل فيها الجدل بين دعاة نظرية التصميم ونظرية الصدفة ،  ويدخل فيها نظرية التطور والانفجار العظيم وقليل من نظرية الاكوان المتعددة .

محمد الهنائي  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق