الاثنين، 22 سبتمبر 2014

أبو سرور الراحل : ( السيف العيسري )

(الحياة الحقيقية هي تلك التي تمتدُّ بعد موت صاحبها ولا يمدها إلا عمل صالح أو علم نافع)

هكذا عزّاني الخاطر وأنا أحترق بجمر خبر مفجع مع الفجر: 'لقد رحل الأديب الجامعي' رفيق الطفولة وإن كان شيخا،ولو لم نلتق أنا وهو إلا عن بعد يجمعنا كتابه(بغية الطلاب)

ولنبدأ الحكاية من أولها ندعمها بلسان الشيخ الذي سال النظم على لسانه كما ينهمر الغيث من الغيم..

إنه الشيخ الفقيه الأديب القاضي حميد بن عبدالله بن حميد بن سرور بن سليم بن علي الجامعي العماني السمائلي المكنَّى بأبي سرور المولود في عام 1942م

كفل الجامعيَّ جدُّه لأمه،بعد أن قبض والده عبدالله، وهو صغير السنِّ ،وقد كان عوده بالتربية على الجمع بين العلم والكدِّ للعيش الكريم،ولقد كان جدُّه يرسله للعمل فيهرب لطلب العلم ،إذ تتلمذ على يدي العلامة الفقيه حمد بن عبيد السليمي، والنحوي حمدان بن خميس اليوسفي وغيرهما.
يحكي الفقيد ذلك قائلا:

وطالب العلم لوجه الله
                  يحظى من الله عظيم الجاه
لذاك قمت طالبا للعلم
                     وكسبه مسامــرا للنجم
يبيت حولي الناس في النوم السري
                 وإنني في العلم طي السهر

ولأنه فقير المال لم يرث من والده ما يقيم وأده إذ صرف والده ماله في طلب العلم كما يصف الجامعي:

عشت يتيما ليس حولي والدي
                     يدفعني للعلم والمحامد
كان أبي ذا ثروة فباعها
                   في طلب العلم فما أضاعها
ولم يخلف غير سيف باتر
                      وكتب عظيمة الجواهر

قضى حياته كادحا عاملا لا يعرف إلى الراحة سبيلا ومتعلما لا يمل ولا يكل من طلبه..
فصبحه كما يقول لنا:
وإن بدا الصبح حملت معولي
                   ومنجلي ملتمسا لمأكل
وكم قطعت حجر الجبال
                   وكم سردت كوم الحبال
وكم غرست باسقات النخل
                مستَأجرا وبت أشكو وحلي
وكم بنيت جدرا وجدولا
                       مؤجرا حتَّى أنال مأكلا

هكذا انقضت زهرة شبابه عاملا باذلا وقد عمل أيضا مدرِّسا بالمضيبي للنحو والحديث والفقه وعمل بسمائل  لذات المواد وثم عين مدرسا لها أيضا بالمدرسة - التي سماها مازن بن غضوبة -لـخمس سنين ..

 انتقل - رحمة الله عليه - للعمل بالقضاء بجزيرة مصيرة ثم بالكامل والوافي ثم لولايتِي إبراء التي يذكره أهلها بالخير ومنها لصور ثم لصحار ثم لبدبد وبعدها لقريات ثم عاد لبدبد ..
وعاد بعدها منتدبا للتدريس لأصول الفقه والنحو والحديث في معهد القضاء ثم عاد لبدبد قاضيا ومنها انتقل لولاية صحم مواصلا مهنة القضاء .....

أما عن حياة الجامعي في طلبه للعلم فهي كما يقول:
والعصر إن جاء لبست ثوبي
              مطهرا من تربه والعيب
أمشي كأني ملك الزمان
           وما بكيسي ثم درهمان
وأنتضي دربي لنحو العلما
              ملازما دروبهم تعلما

فأي صبح كان صبحه، وأي عصر كان عصره،
وأي همة كانت همته،التي نشر بها علما يبقى له - ما شاء الله - ذكرا حسنا.

كان أبي -رحمه الله -متعلقا بأدب الجامعي تعلقا عكسه علينا ومن ذلك ما تقوله أختي التي حظيت بحظ  من حفظ أبياته على يد أبي:

(أدمن والدي رحمات الله عليه حفظ أبياته،وكان يرددها على القريب والبعيد،ضيفا كان أو من أهل الدار،ولتلك الكتب التي يكثر أبي الترداد عليها قوانين خاصة،كلها تضمن حفظ الكتاب من الضياع،وكانت لي معه حصص ثابته بعضها للتحفيظ،وأخرى للقراءة والمناقشة.

- ما دفعتني بالعصا للمدرسة
                        أمي وكانت برة وكيسة

الجميل في أبياته أنها سهلة وسلسة،ذات معنى راق جدا،ومن ظريف هذا البيت خاصة، كنت أسمِّع هذه الأبيات لأحد الأطفال ليلقيها في محفل،فقال بعفوية: كيف اقول ذلك وأمي تدفعني للدرس أحيانا!
 فأبى ان يقرأه إلا بعد إقناع دام مدة طويلة.)

عاش ابن عبدالله الجامعي عاملا للكسب الحلال طالبا للعلم النافع الرافع،راجيا من الله أن يأجره ويبقي وجوده ولو اندرس رسمه..

إنه يقول مقدما لكتابه بغية الطلاب

أي شيء أهديه يبقي وجودي**غير علم وروضة من بيان
فاذكروني يا قارئيه بخير**إن ذكرى الأحباب يرعى مكاني
بلِّغوا الناس ما وجدت لأخرى**غير تقوى ورحمة الرحمن


  ولقد ذاع صيته في عمان قاطبة وهو الذي جال ربوعها معلما وقاضيا ، وقد رحل - غفر الله له- وله كتب منها
- الفقه في إطار الأدب
- بغية الطلاب في أركان الإسلام الخمسة
-قصيدة رائية في النحو
- ديوان باقات الأدب
ديوان إلى أيكة الملتقى

وغيرها من الكتب النثرية الفقهية والمنظومات والدواوين الشعرية..

أسألك اللهم حسن الخاتمة**وجنة بكل خير دائمة

اللهم اكتبه من أهل الجنان، واغفر له يا كريم يا منان وألهم أهله الصبر على فقده والسلوان..

 السيف العيسري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق