الجمعة، 12 سبتمبر 2014

فلسفة العقل المجتمعي وما يجب أن تكون عليه عملية التغيير ! (محمد الهنائي )


كتب فولتير إلى دالامبير يقول له (( إن النور يسري من جميع الجهات ، ومملكة العقل تعد عدتها ، ليتحد الفلاسفة فيما بينهم فيكونوا أولياء الأمر ، أوصيكم بالعصر الذي بدأ يتكون ، يغيظني أن أموت قبل أن أرى طلائع العهد الجميل الذي ستنعمون به ، لكنني لست متخليا ، ولن أتخلى عما أقدمت عليه إلا وأنا على فراش الموت ، إنني عنيد ، وسأظل أردد حتى النفس الأخير شعاري : اسحقوا العار ! انه نضال جبار ، نضال المخلوقات المفكرة ضد المخلوقات التي لا تفكر )) ثم أردف يقول له (( على جميع المفكرين أن يتحدوا بحنان ضد المتعصبين والمرائين الذين هم متساوون في صفتهم كالظالمين )) . ومما قال له (( كيف قدر لعدد من المتعصبين السخفاء أن يؤسسوا طوائف مجانين في حين أن ذوي العقول المتفوقة لا يكادون يوفقون إلى تأسيس مدرسة للعقل صغيرة ؟ )) . ومما قال ايضا وهو يخاطب ديدروا ودالامبير (( هيا يا ديدرو الشجاع ، ويا دالامبير المقدام ، انضما إلى عزيزي داميلافيل وأسسوا معا هيئة من الفرسان البواسل حماة الحقيقة ، اقضوا على الخطب الرنانة التافهة وعلى السفسطات البائسة وعلى الأباطيل التاريخية والمتناقضات واللامعقولات التي لا تحصى )) ثم تابع يقول (( ان المبشرين يجوبون الأرض والبحار ، فليطف الفلاسفة بالشوارع على الأقل ، وليبذروا البذرة الصالحة من بيت إلى بيت))
 
إنها الدعوة إلى استقلال الفكر لدى كل انسان ، دعوة التأسيس وإخراج واقع العقل المجتمعي مما هو كائن عليه وفيه إلى ما لا بد ان يكون عليه قبل الإقدام على عملية التغيير ، أركنوا أذن ــ كما قال برنارد غروتويزن ــ الى قوة عقولكم ، وأقيموا دائما المحسوس والمحدود مقام القضايا الحائرة في عمومها ، انهمكوا في بهجة التحليل الجدلي والسعي إلى البرهان العقلي حتى آخر نتيجة ، ما أشد الوضوح حينها ، وما اشد ما سيغدوا هؤلاء الاستبداديين والمتعصبين والطائشين مضحكين بمبادئهم في الحكمة ، يا لها من فوضى في الأفكار ، وياله من عقل مجتمعي معتل ذلك الذي لا يمكن للمرء أن يتعرف فيه على ذاته والدور الذي يجب أن يشغله! ، إن من اراد لنفسه حريته وانسانيته عليه أن لا يفعل شيئا بلا حذر ما لم يكن قد فكر فيه بنفسه وفق ما يقتضيه منطق العقل والحق ، علينا ان نحتفظ بكامل حريتنا في الحكم إزاء ما يلقننا إياه الناس والدولة على السواء ، فعملية التغيير والحركة التي يجب أن يحفظ بها مفهوم الحق و مفهوم الإنسانية لا تحصل بل ولا تقوم لها قائمة ما لم تكن هنالك حركة فكرية مؤسسة تستطيع توجيه جموع الإرادة الطامحة للتغير ، يجب ان تكون لحركة التغيير التي يعول عليها أمر السيطرة على الظروف المحيطة مستوا فكري معين يتلائم ومستوى القضية التي تحاول حملها، وهذا ما لن يتحقق ما لم يتم تهيئة العقل المجتمعي وفق قواعد تتلائم وماهية التغيير المنشود . تلك التهيئة ـــ كما رأيناه على يد الرسول الكريم ، وكما رأينا لها نماذج مختلفة في واقع الثورة الفرنسية خصوصا و واقع الثورات والحركات التغيرية التي أعقبت الثورة الفرنسية ـــ يجب أن تهتم بعملية تنقية وإعداد مفهوم جديد للإنسان ، للحياة ، وللكون .قرأت لفولتير ولمونتسكيو ودالامبير ولروسو وآخرين ، وعجبت من مدى متانة الاساس الذي أقاموا عليه عملية التغيير والثورة ، عجبت للفن الرفيع الذي بدأو عبره تأسيس العقل المجتمعي وفق منطق دقيق يمكن العمل به وعليه بما يضمن مقاربة ماهية التغيير المنشود . فهذا مونتسكيو يفند للشعب ماهية الشرائع وفلسفتها ويقرر بناء على ذلك الطريقة التي يُعرف بها مدى ملائمة القانون وأحوال الأمة ، فولتير من ناحية أخرى يؤسس الأرضية التي يتأسس بها عقل الفرد ومن ثم يعد العقل المستنير أساسا لعملية التغيير ، وعن روسوا فقد أسس لمفهوم الإنسان الطبيعي ولمفهوم الإنسان المدني وفق فلسفة راقية ، ثم أوضح الطريقة التي يصبح بها الإنسان الطبيعي إنسان مدنيا يحيا لــ "أنا " الجماعة قبل أناة الذاتية . باسكال ، ماريفو ، ديدروا ، لابرويير ، لاروشفوكو ، لوساج وفولتير ، يعالجون الافكار وعبثية الحياة ومفاهيم الخير والشر ، يبينون ما هو معقول وما هو غير معقول ، يرشدون ويفندون ويبنون ، يعملون على جموع المجتمع بين هدم للامعقول وبين تأسيس لما هو معقول وواجب ، انتزعوهم من الخرافة ومن أنفسهم ومن كل ما يمكن ان يبعدهم عن منهج العقل والحق .لقد اوجدوا قبل كل شيء معنى جديدا للإنسان وللدور الذي يجب أن يشغله قبل أن يهتموا بأمر مواجهة الطبقية وما كان حادث من جور وفساد ، أما نحن ففئات عدة منا لا زالت تعلم الناس وتدافع عن القيل والقال على أنه دليل يعتد به في الحكم ، لازلوا على يقين تام بأن الدولة هي المسؤول والأخير عن امر تعليمنا الطريقة التي يجب أن نفكر بها ؟ ، لازلوا يبثون فكرة ان الدولة هي المسؤول الأول والاخير عن كل أمر يتعلق بالمجتمع ، لازال البعض يعمل جاهدا لنشر سخطه وتنديده دون ان يراعي ان العقول التي امامه بحاجة للبيان العقلي قبل الإنفعال العاطفي ، لازل البعض يعتبر الهدف الذي وجد من النضال هو ان ينعم المجتمع بمستوى مقبول من الرفاهية المادية لا أن يوجد معنى جديد لمفهوم الإنسان والدور الذي يجب ان يشغله ، عجبت حينما رأيت البعض يجعل من الثورة الفرنسية رمزا للنضال ويريد ان تحدث في واقع المجتمع الذي نعيشه ثورة مشابه ، وإن جئت و سألته عن مدى إلمامه بالمدخلات والعمليات والمخرجات التي تمت قبل وفي وبعد الثورة الفرنس، تجده يقول أنها ثورة قام فيها رجال الطبقة الكادحة بتشريد واسر وقتل الملوك ورجال الدين ، ثم احدثوا انقلابا عاما في ماهية الحكم وأزالوا الطبقية والفساد ، يالله كيف اخذ الأمر ببساطة وتجاهل أمر الفلسفة التي قامت على إثرها الثورة الفرنسية ، تجاهل امر الحلقة الأهم تلك التي تمثلت في اتصال عدد من المفكرين والفلاسفة بالعامة يعلمونهم ماهية الإنسان الجديد الذي يجب ان تحظى به فرنسا ، غاب عن باله كيف انهم اعادوا تأسيس مفاهيم الإنسان ، الكون ، الحياة عبر عدد من المعالجات الفكرية النفسية التيي تلائم ماهية مفهوم التغيير . ألزموهم منطق الأخذ بالعقل دون الهوى في امر ما تعلق ونظرتهم للمحيط . ثم حدث ان كانت الثورة والتغيير الجذري 

إن وجه الإعتلال الذي يعيشه العقل المجتمعي في تعاطيه وقضية التغيير لم تنتج عن وقوعه بين فكي الإستبداد والإستعباد فقط بل وإن للجهل والتعصب للهوى الذي يظهر عن الشعوب التي تنشد التغيير فكا آخر لا يقل ضراوة عن الفك الأول ، قد يراها البعض تهكما لا يقبل إن قلنا ان مجموع جموع الكائنات البشرية في مجتمعنا لا تعرف إلى الآن ما هو صحيح وما هو غير صحيح ، كما ان منهم فئات مختلفة لا تعرف الكيفية التي تتدخل بها في الواقع الحي ، لا تعرف من اجل ماذا تناضل ولا تزال لا تدرك القيمة الحقيقة لمعنى أن يكون الإنسان هو القيمة الحقيقة والعظمى في عملية التغيير . ما اراه هو بداية عائمة تحتاج إلى عملية تاسيس وتوجيه يتلائم وماهية مفهوم التغيير . إن امر الأهتمام بتأسيس العقل المجتمعي يجب ان يحظى باهتمام بالغ ، إن استمر الوضع على ما نراه من غير ان يتم الإلتفات إلى مسالة إعداد العقل المجتمعي ، فإن واقع اعتلال المجتمع لن يزول بل ستتغير أشكاله فقط ، أي سيغدوا للإعتلال اشكال عدة يلبس إحداها تارة ثم يخلعه عنه ليلبس اخر ، وسنبقى ندور في ماهية واحدة ! !
!
كتبه : محمد الهنائي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق